عمان – متابعة
شهد الأردن خلال السنة الجارية 2024 عددا من الأحداث الهامة من أبرزها تنظيم الانتخابات النيابية بصبغة حزبية لأول مرة، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة جعفر حسان، وذلك في سياق سعي البلاد لتنزيل أوراش منظومة التحديث السياسي التي اعتمدها قبل سنتين.
وعلى الرغم من الأحداث والسياقات الإقليمية الساخنة، والوضع الاقتصادي العالمي الصعب، وتداعياته على بلد محدود الإمكانيات، فقد أصرت السلطات العليا بالبلاد على أن تجرى الانتخابات النيابية في وقتها المحدد، “مراعاة للالتزامات الدستورية للبلاد، وضرورة إنجاز الاستحقاقات الداخلية كجواب عملي على كل هذه التحديات التي اعتادت عليها الأردن منذ عشرات السنين” كما أكد على ذلك العاهل الأردني عبدالله الثاني.
وقد جرت هذه الانتخابات، التي بلغ عدد المسجلين في لوائحها العامة حوالي 5 ملايين و200 ألف ناخب، في ظل التطورات القانونية المهمة، التي جاءت نتيجة لمخرجات “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية”، التي شكلها العاهل الأردني سنة 2021، وتمخض عنها عدد من التوصيات والتوجهات المتعلقة ببرنامج التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، وعلى أساسها تم تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب بشكل جذري.
ومن هذا المنطلق نظمت هذه الانتخابات النيابية الأردنية للمرة الأولى على أساس قانون انتخابي جديد رفع من عدد مقاعد مجلس النواب من 130 إلى 138، وخصص 41 مقعدا منها للأحزاب السياسية، في مسعى لضمان حضور المكونات الحزبية داخل المجلس النيابي، وتطوير الممارسة الديمقراطية.
واستهدف القانون الجديد للانتخابات تعزيز التعددية السياسية من خلال زيادة تمثيل الأحزاب في البرلمان، وضمان إشراك الشباب والمرأة بشكل أوسع في العملية السياسية، إضافة إلى تقليل الاعتماد على نظام الصوت الواحد السابق والانتقال إلى نمط انتخابي جديد، يعزز من مشاركة هذه الأحزاب، ويفتح المجال لتشكيل كتل قوية داخل البرلمان.
كما راهن القانون الجديد، الذي وافقت عليه الحكومة سنة 2022، على إحداث “عملية تحول ديمقراطي تدريجية” تمهد الطريق أمام الأحزاب السياسية للعب دور أكبر، في أفق “الحد من الحضور المهيمن للمكون العشائري الذي ما فتئ يحظى بمكانة وتأثير كبير في التركيبة النيابية والمشهد السياسي الأردني”.
وتصدر الانتخابات النيابية العشرين “حزب جبهة العمل الإسلامي” بحصوله على 31 مقعدا من مجموع 138 هي عدد مقاعد المجلس النيابي الجديد، متبوعا بحزب “الميثاق الوطني” في المرتبة الثانية ب21 مقعدا.
كما فازت كل من أحزاب “إرادة” ب19 مقعدا، و”تقدم” ب 8 مقاعد، و”الوطني الإسلامي” ب7 مقاعد، و”الاتحاد الوطني” ب 5 مقاعد.
وكان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية مهند أحمد مبيضين، قد اعتبر في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الانتخابات النيابية تعد “أولى ثمار التحديث السياسي” الذي أطلقه الأردن، ومحطة وخطوة هامة في مسار عملية الإصلاح السياسي، والتطور الديمقراطي” للبلاد.
وقال في هذا السياق إنه ” إذا كنا نؤرخ لسنة 1989 بأنها سنة التحول الديمقراطي، فإن سنة 2024 هي سنة استعادة العملية الديمقراطية لمسارها الصحيح، وذلك لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الملكية ” للعاهل الأردني عبد الله الثاني.
وبدوره سجل رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، موسى المعايطة، في حوار مماثل، أن هذه الانتخابات تعتبر “نقطة انطلاق لتجربة سياسية جديدة، تهدف إلى الانتقال التدريجي نحو تشكيل حكومة برلمانية حزبية”، لافتا إلى أن هذا يمثل “تطورا نوعيا في الحياة السياسية الأردنية، ويعكس التوجهات الملكية الرامية إلى تعزيز المؤسسات الديمقراطية، وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، بما يسهم في توطيد الاستقرار السياسي والاجتماعي” بالأردن.
ورأى المسؤول الأردني أن الاستقرار السياسي “الذي يمكن أن تحققه هذه الانتخابات سيكون له انعكاسات مباشرة على الاقتصاد”، مضيفا أن وجود برلمان قوي قادر على مراقبة الحكومة ودعم الإصلاحات الاقتصادية سيكون له تأثير إيجابي على جذب الاستثمار، وتحقيق النمو الاقتصادي، علاوة على أن الانتخابات ستساهم في تعزيز الثقة الشعبية بالعملية الديمقراطية، مما يعزز من اللحمة الوطنية ويدفع باتجاه تحقيق التنمية الشاملة.
في سياق متصل، تميزت السنة التي تشارف على الانتهاء بموافقة العاهل الأردني عبد الله الثاني خلال شهر شتنبر الماضي على تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة جعفر حسان، والتي تضم، علاوة على رئيس الوزراء، 31 وزيرا، ضمنهم 5 وزيرات، وخمسة وزراء دولة من بينهم وزيرة دولة واحدة.
وحظيت الحكومة الجديدة بثقة مجلس النواب بالأغلبية، على أساس برنامج اقتصادي تقدمت به الحكومة، يرتكز على “المضي بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وفق برامج تنفيذية واضحة ومعلنة بسقوف زمنية محددة، لإطلاق الإمكانات وتحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة الاستثمار، وزيادة فرص التشغيل، والاستمرار في السياسة المالية الحصيفة، للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وضبط المديونية..”.
يمكن القول إن الأردن واجه خلال سنة 2024 أحداثا وتطورات سياسية واقتصادية إقليمية “صعبة وفارقة” ستكون لها تداعيات أكيدة على المنطقة، غير أن ذلك لم يكن ليثنيه عن رفع التحدي، وإنجاز الاستحقاقات الوطنية كخيار استراتيجي لمواجهة هذه الإكراهات، ومواصلة تعزيز مسار البلاد نحو الوحدة الجامعة، والتحديث والتنمية المستدامة.
/
/